في مهد الربيع العربي، استمرار مشاعر السخط سببٌ كافٍ لأحد أعضاء “ائتلاف انشر ما تدفع لمواصلة النضال”
تقول كتب التاريخ إن الربيع العربي بدأ في عام 2011، بيد أن سكان منطقة قفصة التونسية الفقيرة يعرفون حقيقة هذا الأمر بشكل أفضل؛ إذ في عام 2008، ثار سكان هذه المنطقة ضد ممارسات قطاع التعدين الغامضة، وحالة اللامبالاة التي أبدتها الحكومة تجاههم، مما أدى إلى رد فعل عنيف من قبل الجهات الأمنية في الدولة. وقد ساعدت صور القمع الذي حدث آنذاك على استنهاض حركة وطنية استطاعت الانتصار بعد ذلك في 14 يناير 2011 عندما اضطر زين العابدين بن علي إلى مغادرة البلاد.
وفي هذا الصدد، قالت السيدة سهام بوعزة، رئيس الجمعية التونسية لقانون التنمية، وهي منظمة عضو في ائتلاف انشر ما تدفع في تونس: “أعتقد أن أحداث عام 2008 هي بمثابة الشرارة الأولى للاحتجاجات الاجتماعية التي حصلت عام 2011 بسبب ما لحق بالناس وقتئذ من أضرار وإصابات عديدة”. وأضافت: “وُجِهَت الاحتجاجاتُ بعنف شديد سالت على إثره دماء المتظاهرين ودموعهم، بل ومات الأطفال في الشوارع”.
إن قصة الدور الريادي لتونس في الربيع العربي معروفة لدى الجميع؛ إلا أن ما يجهله الكثير هو قصة قفصة، تلك المنطقة الريفية التي تعاني من الجفاف جنوب غرب تونس. على أن الاحتجاجات التي اندلعت هناك لم تمهد الطريق لثورةٍ وطنيةٍ ضد الوضع القائم فحسب، ولكن النشطاء وممثلي المجتمع المدني المرتبطين بها قد أنجزوا أيضًا إصلاحات رئيسية في إطار الشفافية، بما في ذلك إلزام تونس بالانضمام إلى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية.
ورغم أن تحقيق التغيير في قفصة كان بطيئًا، إلا أنهم حققوا انتصاراتٍ بالفعل تقول بوعزة إنها “لم يكن من الممكن تصورها من قبل”.
حيث أُشعل الفتيل
إن قفصة هو مكان يندر فيه التعليم وفرص العمل والمياه النظيفة بشكل أكبر من أي مكان آخر في الدولة. وهذا صحيح بالرغم من أنها تُعتبر أحد أكبر مستودعات الفوسفات في العالم، وهي مادة كيميائية تستخدم في صناعة الأسمدة في جميع أنحاء العالم. وقد استغلت الحكومة إيراداتها الاستثنائية من تلك المناجم لتطوير الساحل الشمالي والمناطق السياحية الأخرى على حساب قفصة.
ورغم انخفاض معدل البطالة في البلاد حتى 15%، إلا أنه ظل في قفصة عند 40%، بحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية. فقد كانت
فرص العمل متوفرة في المناجم، ولكنها تتطلب أن يخضع المرشحون لاختبار موحد رأى الريفيون منهم أنه كان يصب في مصلحة نظرائهم من الشمال. وفي 5 يناير 2008، كشفت شركة قفصة للفوسفات، أكبر جهة عمل في المنطقة، عن أحدث نتائج التوظيف لديها؛ بعدها خرج الباحثون عن العمل المرفوضون، والشباب العاطل، وأسر أولئك الذين قضوا في حوادث المناجم، في احتجاجات استمرت لشهور في جميع أنحاء المنطقة. وبحلول شهر يونيو تحولت الاحتجاجات إلى باحات قتلٍ إذ فتحت الشرطة النار على المتظاهرين.
نشر منظمو الاحتجاجات وقتئذ بيانًا صحفيًا يلخص مظالمهم:
“أين نصيبنا من التنمية؟ أين ذهب نصيبنا من الثروة الوطنية؟ أين هي المكافأة العادلة لمشاركتنا في بناء الأمة واقتصادها بعد أكثر من 50 عاماً؟”
الطريق إلى الإصلاح
تعمل بوعزة في مجال دعم التنمية المستدامة في تونس منذ العام 2004، عندما أصبحت رئيسًا للجمعية التونسية لقانون التنمية. وقد شهدت فارقًا ملحوظًا في التقدم الذي أحرزوه منذ ثورة 2011. تقول بوعزة: “نستطيع الآن التعبير عن آرائنا، ونعتقد أن صوتنا يُسمع أكثر من أي وقت مضى”.
وفي أعقاب الثورة، عقدت الجمعية التونسية لقانون التنمية اجتماعاتٍ مع العديد من البرلمانيين وموظفي الخدمة المدنية في وزارة الطاقة والمناجم، بل والوزير نفسه، الذي ذكر في مقابلة علنية أنّ بفضل المجتمع المدني أصبح مقاولو الصناعات الاستخراجية يعملون الآن في المجال العام في تونس. وذلك متاح الآن على موقع إلكتروني حكومي. وقد التزمت الحكومة بالانضمام إلى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، رغم أنها لم تكن تسمع من قبل عن هذه المبادرة بحسب بوعزة، بحلول العام 2018 كجزء من خطة العمل الوطنية للشراكة الحكومية المفتوحة.
يتضمن الدستور التونسي للعام 2014 أحكامًا خاصة لمعالجة الإحباطات التي ظهرت في قفصة قبل ست سنوات؛ إذ تقتضي المادة 13 الالتزام بالشفافية في الصناعات الاستخراجية، وقد شُكلت بموجبها لجنة برلمانية لمنح امتيازات التعدين. فيما تمنح المادة 136 المناطق الحق في الحصول على حصة من الإيجار الاستخراجي المتراكم خلال الأنشطة الاستخراجية.
ولكن حقيقة أن المادة 13 لم تطبق بالكامل (حيث إن العقود لا تتضمن ملحقات ولا تخضع للتحديث بشكل كاف)، وأن المادة 136 متجاهَلة حتى الآن، تثبت أنه لا يزال هناك الكثير من العمل يتعين القيام به.
تقول بوعزة: “لا تزال قفصة تعاني من نقص النمو، ولهذا السبب اندلعت احتجاجات عنيفة في وقت سابق من العام 2017، مما أدى إلى وقف كامل لاستخراج النفط والفوسفات”. وتستطرد قائلةً:
“رغم أن السلطات تعتقد أن الناس يحتجون للحصول على وظائف في الصناعات الاستخراجية، إلا أنهم في الواقع غاضبون من أن الموارد الطبيعية لم تفض إلى تنمية اجتماعية واقتصادية في منطقتهم”.
ومع ذلك، فإن الاستقرار النسبي لمشروع التحول الديمقراطي في تونس يدعو إلى التفاؤل؛ إذ مع إجراء الانتخابات البلدية التي تأخرت كثيرًا، سيكون القادة المحليون أكثر قدرة على الاستماع إلى مطالب ناخبيهم.