تعدّ احتياطيات العراق النفطية من الأضخم في العالم، وهي أهم مصادر إيراد الحكومة العراقية. وتلعب صادرات العراق النفطية أيضاً دوراً حاسماً في تحديد كمية المعروض الدولي من النفط وأسعاره. وقد اتخذ العراق، بعد أن أصبح بلداً ممتثلاً لمعايير مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية سنة 2012، خطوات في الاتجاه الصحيح لتأمين الحوكمة الصالحة في هذا القطاع. ولكن، وبالرغم من أربعة تقارير لمبادرة الشفافية ومليوني دولار امريكي أنفقت خلال العملية، ما يزال يتوجب على العراق أن يجتاز مسافة طويلة قبل أن يتمكن من القول إن مواطنيه يستفيدون حقاً من مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، أي استعمال الشفافية لترقية المساءلة، والإصلاح، وتحويل الإيرادات النفطية إلى تنمية مستدامة تالياً.
لهذا السبب عقدت في بيروت، وتحت رعاية مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد حوكمة الموارد الطبيعية وبالتعاون مع الأمانة العامة لمبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، ورشة عمل مدة أربعة أيام لمجموعة أصحاب المصالح العراقيين والأمانة العامة الوطنية لمبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية. وقد شارك في ورشة العمل هذه ستة من أعضاء البرلمان العراقي، ومن ضمنهم رئيس لجنة النفط، وأعضاء من وسائل الإعلام العراقية.
تركزت أعمال الورشة على تقويم التقدم في عملية مبادرة الشفافية في العراق حتى الآن، ومناقشة الإطار القانوني ومستلزمات رفع التقارير وفقاً لمعايير مبادرة الشفافية 2013. كما نوقشت أهمية شفافية العقود وملكية الانتفاع في الإطار العراقي إضافة إلى أهمية تعزيز خطة عمل جيدة الصياغة لمجموعة أصحاب المصالح المتعددة.
وقد حدد المجتمعون معاً أهم التحديات التي تواجه قطاع النفط في العراق. فانعدام الإطار القانوني والسياسة النفطية، والقضايا العالقة مع حكومة إقليم كردستان حول إدارة إيرادات النفط من الصناعات الاستخراجية في تلك المنطقة، والغموض الذي يكتنف دور شركات النفط الحكومية والتنسيق بينها وبين الحكومة العراقية، إضافة إلى انعدام البنية التحتية للصيانة (أنابيب، مصافي، مستودعات، من جملة أمور أخرى) مشاكل تعوّق العراق عن الاستفادة الحقيقية من موارده النفطية.
وقد أقرّ أعضاء البرلمان، ورئيس لجنة النفط منهم بخاصة، بالدور الأكبر الذي يمكن أن يقوم به البرلمان العراقي في معالجة بعض هذه المصاعب، وبخاصة تلك المتعلقة بالإطار القانوني والسياسة النفطية. واتجهت المناقشات بقيادة أنشر ما تدفع نحو الدور المحوري الذي لعبه البرلمان في بلدان أخرى تطبق مبادرة الشفافية. وأظهرت الأمثلة المذكورة من الكاميرون، والكونغو برازافيل، ومونغوليا كيف أن التعاون بين أعضاء البرلمان والمجتمع المدني قد أسفر عن قوانين للشفافية وعن تعزيز الإطار القانوني للصناعات الاستخراجية في تلك البلدان. ولكن المقعد المخصص لممثل البرلمان في مجموعة أصحاب المصالح المتعددة قد ظل شاغراً منذ تشكيل المجموعة.
وأظهرت ورشة العمل الدور الذي يستطيع البرلمان العراقي أن يقوم به، ويتوجب عليه أن يقوم به، في معالجة قطاع النفط. وقد آن الأوان كي ينخرط انخراطاً أصيلاً في تحويل مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية إلى عملية مجدية للبلد ولمواطنيه. كما أن الأوان قد آن لاتخاذ الخطوات التالية للانتقال من الشفافية إلى المساءلة، وإلاّ فإن البلد سيظل ضحية أخرى من ضحايا لعنة الموارد.