دراسات حالات من بانتاي كيتا-أنشر ما تدفع الفلبين، وأنشر ما تدفع ملاوي، وأنشر ما تدفع الولايات المتحدة الأميركية
للحفاظ على الفعالية والصلة والشمولية، على الائتلافات أن تتأقلم وتتكيّف وتتطوّر استجابة للظروف والعراقيل والتحديات المتغيّرة. من هنا، أجرى أنشر ما تدفع بحثًا عن ثلاثة ائتلافات وطنية في كل من الفلبين والولايات المتحدة الأميركية وملاوي، لمعرفة كيف تمكّنت هذه الائتلافات من مواجهة التحديات الطارئة والتأقلم بغية تعزيز وظيفتها كشبكات مناصرة. وتشكّل دراسات الحالات الثلاث هذه أمثلة مُلهِمة حول إمكانية أي ائتلاف إعادة توجيه غايته وإعادة النظر في رؤيته وضمان شمولية فعالة لعضوية أكثر فأكثر تنوّعًا.
اشتمل البحث الذي أعدّته الأمانة الدولية لأنشر ما تدفع على مقابلات أجرِيَت مع منسّقي الائتلافات الوطنية من أجل إنتاج دراسات حالات لأنشر ما تدفع في كل من ملاوي والولايات المتحدة الأميركية والفلبين (بانتاي-كيتا). وأظهرت الحالات أن الشكل الذي تتّخذه الائتلافات الوطنية لهو مشروط، وإلى حد بعيد، بغاية الائتلاف وهدفه وسياقه ورؤية قيادته وتطلّعات أعضائه، علمًا أن هذا الشكل من المفترض أن يتغيّر ويتطوّر في استجابة للتحديات الكبرى التي يواجهها.
في دراسات الحالات، إن هذه التحديات التي تحدّث عنها المنسّقون الوطنيون تضمّنت ما يلي:
- كيفية إعادة توجيه الائتلاف كي يتخطّى مجرّد ضمان الإفصاحات ليصل إلى تعزيز المساءلة (في ملاوي)
- كيفية إعادة النظر في مهمّة الائتلاف وجعله ذي صلة بالأعضاء الذين لا يركّزون على الشفافية فحسب، بل أيضًا على مسائل أخرى من ضمنها “اتخاذ القرارات بالاستخراج” (في الولايات المتحدة الأميركية)
- كيفية الحرص على عمل الائتلاف بشكل فعال، وفي الوقت عينه جعل العضوية أكثر فأكثر تنوّعًا، مع أولويات مختلفة وتباين في الآراء حول الاستخراج (في الفلبين).
ملاوي: إعادة توحيه الأهداف في ظروف شائكة وصعبة
في العام 2020، عقب فضيحة فساد هزّت البلاد، لم يكتفِ أنشر ما تدفع ملاوي بالسعي إلى الإفصاح عن البيانات من خلال تقارير مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية (EITI)، بل بدأ بالاستعانة بالعملية من أجل المطالبة بإجراء الإصلاحات اللازمة لمحاربة الفساد. لكن سرعان ما وجد أعضاء الائتلاف أنفسهم في مواجهة مع الحكومة التي هددت بالانسحاب من عملية مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية (EITI).
وفيما اضطرّ ائتلاف أنشر ما تدفع أن يتوخّى الحذر الشديد من أجل الحفاظ على حوار مؤثّر مع الحكومة، لم يكن مستعدًا للاستمرار بالعمل على عملية لا تؤدي إلا إلى إيجاد المزيد من البيانات. وبما أن ائتلاف ملاوي ائتلاف “يافع” نسبيًا تأسس في العام 2015، عمد إلى التواصل مع الائتلافات الشقيقة في المنطقة للاطلاع على كيفية التمكّن من متابعة السعي إلى مساءلة فعلية من خلال عملية مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية (EITI) في ظل هذه الظروف الحساسة.
تتطوّر الائتلافات استجابة للظروف والعراقيل والتحديات المتغيّرة. ومن خلال تبادل الخبرات والنهج والمقاربات مع منسّقين وطنيين في الدول المجاورة، نجح أعضاء ائتلاف ملاوي في تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتقوية عزيمتهم. وبإرشاد من أقرانهم، تمكّنوا من تبادل الأفكار واتفقوا على استراتيجية جديدة للائتلاف تضمنّت تحديد ما كان ممكنًا وواقعيًا ومطلوبًا من المشاركة في مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية (EITI)، بما يتخطى مجرّد توليد المزيد من البيانات. واكتسى هذا الموضوع أهمية كبيرة، ولا سيما نظرًا لمستويات قدرات الأعضاء المنخرطين في عملية المبادرة.
الولايات المتحدة الأميركية: إعادة النظر في المهمات لإعادة تزويد الائتلاف بالطاقة
بالنسبة إلى أنشر ما تدفع في الولايات المتحدة الأميركية، تمثّل الحافز وراء تعديل نموذج الائتلاف في الإحباط الذي لاقاه هذا الأخير في التحديات التي واجهها سعيًا نحو تحقيق هدفه الرئيسي: الاتفاق على قواعد الإفصاح عن الإيرادات وتطبيقها. ومع أن الائتلاف عمل بطريقة متوافقة مع صفات وميّزات متعدّدة يستعين بها الممارسون وواضعو النظريات من أجل تعريف الائتلافات العالية الفعالية، إلا أنه أُحبِط في مسعاه لتحقيق هدفه الرئيسي بسبب انجرار الدولة وراء المنافع والفوائد التي تحصدها من الوقود الأحفوري، وهو عامل لم يتم التطرّق له بشكل صريح في نهج الائتلاف. كما وواجه تحديًا إضافيًا يكمن في بقائه ذي صلة ومهمًا بالنسبة إلى المجتمع المدني والمجتمعات المحلية الأميركية التي بات يزداد اهتمامها أكثر فأكثر بمسائل أخرى، عدا عن الإفصاح عن الإيرادات، بما في ذلك الحاجة إلى التصدي لمشاريع الاستخراج المدمّر.
بالتالي، أوجد ائتلاف الولايات المتحدة الأميركية المساحة اللازمة لإعادة النظر في أهدافه “الأصلية” ومناقشة كيفية مساهمته المحتمَلة في الصورة الأكبر المتمثّلة بمواجهة لعنة الموارد. تطلّب ذلك أيضًا عملية تبادل أفكار حول كيفية تمكّن الائتلاف من مجابهة القوى الأكبر التي كانت تمنعه من الوصول إلى هدفه التأسيسي الذي يقضي بتحقيق الشفافية في الإيرادات.
أدت هذه الجهود إلى استعادة الائتلاف لطاقته وإعطائه شكلًا مختلفًا كي يعيد استيعاب مكوّنًا واسعًا من الأعضاء، مع أولوياتهم وتطلّعاتهم المتغيّرة. وتتطرق دراسة الحالة إلى بعض التحدّيات والمنافع التي أثمرت عنها عملية إعادة وضع الأهداف هذه، وعلى غرار حالة ائتلاف ملاوي، دور القيادة النسائية في تسهيل ذلك.
الفلبين: عضوية أكثر فأكثر تنوّعًا
تتناول دراسة الحالة في الفلبين، كما تلك في الولايات المتحدة الأميركية، كيفية تأقلم ائتلاف أنشر من تدفع مع متطلبات التنوّع والشمولية. فالتحدي الذي واجهه بانتاي-كيتا في الفلبين كان يقضي بإنشاء نموذج للائتلاف يستجيب لتنوّع عضويته التي تخطّت مجموعات المجتمع المحلي التي ترفع الصوت ضدّ الاستخراج، لتشمل المنظمات الوطنية التي تركّز على تعزيز المنافع العامة المتأتية عن الاستخراج.
وفي مواجهة هذا التحدي، طوّر بانتاي-كيتا نموذجًا تنظيميًا يسعى إلى إحلال توازن بين الطابع الرسمي من جهة (منظمة غير حكومية مسجّلة رسميًا، مع أمانة عامة، وتمويل دولي، واستراتيجية وأهداف وغايات وسياسات ونظم حوكمة، إلخ…) ، وبين الحفاظ على شمولية هادفة لكل الأعضاء من جهة أخرى، بما فيها المجموعات المجتمعية، وإعطائها الأولوية.
وهكذا، يسعى بانتاي-كيتا إلى الحفاظ على هذا التوازن من خلال إرساء علاقات مع الأعضاء قائمة على المشاورات المفتوحة والمستمرة، بالإضافة إلى الثقة المتبادلة والالتزام بإعلاء أصوات المجتمع المحلي. وتتحدث دراسة الحالة عن ممارسات الائتلاف التي مكّنته من العمل بفعالية، وبما يتخطّى التركيز الضيّق على مسألة الشفافية.
سر النجاح: بناء الثقة والشمولية، رصد الهدف وإعادة النظر بالاستراتيجيات
تظهر دراسات الحالات الثلاث الدور الأساسي لبناء الثقة لدى تشكيل ائتلاف فعّال، إلى جانب وجوب أعضاء الائتلاف وقادته رصد هدف الائتلاف وأهميته بشكل مستمر، وإعادة النظر بالاستراتيجية بصورة منتظمة ودورية. وتسلّط الحالات الضوء أيضًا على بعض الممارسات الجيدة التي من شأنها تسهيل ذلك (مع بعض الإرشادات الإضافية حول “الممارسات الفضلى” لأي ائتلاف، مأخوذة من مصادر أخرى ومذكورة في نهاية دراسة الحالة الأميركية).
إعادة وضع الأهداف، وصياغة استراتيجيات جديدة وتعزيز الشمولية، كلها أمور من المرجّح أن تتصدّر سلّم الأولويات التي تتعامل معها ائتلافات متعددة في أنشر ما تدفع، فيما تتطوّر المهمّات وتخرج من نطاق تركيزها الأصلي الذي اقتصر على الشفافية، لتصل إلى كوكبة أوسع وأكبر من الاهتمامات والهواجس على مستوى المجتمع المحلي والمساءلة.
وفي النهاية، يبقى تبادل الدروس من الائتلافات وبين الائتلافات هدفًا رئيسيًا لاستراتيجية رؤية أنشر ما تدفع 2020-2025. والجدير بالذكر أن بإمكان دراسات الحالات هذه وغيرها من موارد الشبكة أن ترشد ائتلافات أخرى في أنشر ما تدفع تواجه تحديات مشابهة، وأن تطلق شرارة المحادثات والنقاشات في شبكة أنشر ما تدفع حتى تتمكّن الائتلافات من تبادل الأفكار حول كيفية إدارة هذه التحديات والتصدي لها.