المطلوب: تحوّل ديمقراطي ومنصف لنظام الطاقة

الأخبار والموارد

كارلوس مونجي، رئيس مجلس إدارة أنشر ما تدفع

تشكّل هذه المدوّنة جزءًا من سلسلة بتكليف من اللجنة الفرعية المعنية بالاستراتيجية التابعة لائتلاف أنشر ما تدفع (المؤلَّفة من أعضاء المجلس العالمي لأنشر ما تدفع، واللجنة التوجيهية لأفريقيا، والمجلس). لا يؤيّد ائتلاف أنشر ما تدفع مقترحات ومواقف كل مؤلّف ضيف، وإنما قام بدعوتهم لمشاركتها من أجل تحفيز تفكيرنا الجماعي فيما نتصور استراتيجيتنا العالمية المقبلة.

 

شكّل العام 2023 العام الأشد حرًّا في التاريخ المسجّل، حيث بلغ متوسط ​​درجات الحرارة العالمية 1.45 درجة مئوية فوق المتوسط المسجّل بين العامَين ​​1850 و1900، وهو قريب جدًّا من الحدّ الذي وضعته الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغيّر المناخ في سياق اتّفاق باريس في العام 2015.

تبعات وخيمة تنجم عن ارتفاع درجات الحرارة في العالم؛ إذ ترتفع حرارة المحيطات، وتتقلّص رقعة وسماكة الجليد في القطب الشمالي، وتختفي الأنهار الجليدية، وتشتدّ وتيرة وحدّة موجات الحرّ والفيضانات والجفاف وحرائق الغابات والأعاصير.

وفي جميع الأحوال، إن البلدان والفئات السكانية الأغنى، التي يرتفع فيها نصيب الفرد من استهلاك الطاقة وما يقابله من ارتفاع انبعاثات غازات الدفيئة، هي الأكثر مساهمةً في المشكلة؛ في حين أنّ البلدان والشعوب الأكثر فقرًا تساهم بشكل أقلّ، بينما تعاني من عواقب أكثر خطورة.

ونتيجةً لذلك، برز النقاش حول فكرة التحوّل الطاقوي “العادل” إلى مصادر الطاقة منخفضة الكربون، وهو تحوّل من شأنه أن يوفّر وظائف ومداخيل بديلة لأولئك الذين يعتمدون اليوم على استغلال الوقود الأحفوري لكسب عيشهم؛ وأن يضمن إمكانية وصول الجميع إلى الطاقة، ويمنح المساعدة المالية للدول الأقلّ نمواً والمُعتَمِدة على الوقود الأحفوري، التي ستضطر إلى ترك مواردها في الأرض لوقف الاحترار العالمي.

البشرى السارة هي أنّ التحوّل الطاقوي يمضي قُدماً بالفعل، مع تضاؤل ​​الاستثمارات في الوقود الأحفوري أكثر فأكثر، وزيادة الاستثمارات في توليد واستهلاك الطاقات المتجدّدة غير التقليدية.

أما النبأ السيئ، فهو أنّ عملية التحوّل لا تتقدّم بالسرعة المطلوبة، وهي أبعد ما يكون عن العدل.

التحوّل الطاقوي بقيادة الشركات

نشهد في الواقع تحوّلًا طاقويًا تقوده الشركات، التي ترى في هذا التحوّل فرصةً جديدةً لمُراكمة رأس المال. فتعتمد قرارات الاستثمار في توليد وتوزيع الطاقات المتجدّدة الجديدة على نسبة الأرباح التي تحقّقها للمستثمرين والريع الذي يمكن أن تولّده للحكومات؛ وليس على سُبل العيش التي يمكن أن تقدّمها أو تحسّنها لسكّان البلدان الأقلّ نمواً، أو حتى في البلدان المتقدّمة.

وبالإضافة إلى ذلك، ما زالت البلدان الأغنى تستغل مواردها من الوقود الأحفوري، ولا تساهم بالقدر الذي يتوجّب عليها في جهود التخفيف والتكيّف في بلدان الجنوب. وإذا لم تكن الدول الأغنى تساهم بما يكفي، فإنّ أغنى الأغنياء من السكان لا يساهمون على الإطلاق في ظلّ غياب الاتّفاقات العالمية لفرض الضرائب على الفئات الأكثر تسببًا بالانبعاثات، سواء من الشركات أو الأفراد.

في هذا السيناريو، يصبح الإلحاح والعدل اعتبارات ثانوية مقابل تحقيق الربح والمحافظة على مستويات الاستهلاك المرتفعة، ولكن غير المستدامة، لمن يعيش في بلدان الشمال.

وخلاصة القول هنا أنّ أصحاب السلطة في اتّخاذ القرار حول سير التحوّل الطاقوي لا يعتبرون أزمة المناخ والبيئة العالمية، أو قضايا السيادة في مجال الطاقة والعدالة الاجتماعية، محطّ اهتمامهم الأساسي.

ويغيب أولئك الذين يعانون من عواقب الاحترار العالمي عن طاولة صنع القرارات. وكما يُقال، إن لم يكن لديك مقعد على الطاولة، فاعلم أنّك على قائمة الطعام.

حشد المجتمع المدني للتصدّي لهياكل السلطة

يتعين علينا، من أجل تحقيق تحوّل عادل وفي أوانه، أن نتصدّى لسطوة الشركات على التحوّل الجاري. ويجب أن نتصدّى لترتيبات صنع القرارات الحالية وهياكل السلطة التي تقف خلفها.

والمطلوب هو تحوّل ديمقراطي ومنصف لنظام الطاقة.

يتمثّل التحدّي في تهيئة الظروف اللازمة لتحقيق ذلك. ويكمن المفتاح في حشد المجتمع المدني وتمكينه ليكون قادرًا على وضع الإلحاح والعدل في صميم عملية اتّخاذ القرار في ما يتعلّق بوتيرة التحوّل الطاقوي وطبيعته.

هل بلغنا الهدف اليوم؟ كلا، ولكنّنا بحاجة إلى الشروع في التحرّك في هذا الاتّجاه، ونحن قادرون على ذلك.

يجب أن نصرّ على الضغط على الحكومات والشركات على المستوى العالمي، في مؤتمرات الأطراف وغيرها من المحافل المماثلة، للتوصّل إلى اتّفاقات ملزمة وأكثر طموحًا للتخفيف والتمويل.

ويجب أيضًا أن نمارس الضغوط على المستوى الوطني، لنضمن أنّ التزامات وسياسات التخفيف والتكيّف هي على قدر التحدّي.

ثلاثة تحدّيات حاسمة

الأهم أنّنا بحاجة إلى جمع الجهات الفاعلة الاجتماعية في الأقاليم الغنية بالموارد لمواجهة ثلاثة تحدّيات حاسمة: كيف نتخلّص تدريجيًا من الفحم والنفط والغاز بشكل عادل وسريع؛ وهل نستغلّ معادن التحوّل وكيف؛ وكيف نولّد الطاقات المتجددة غير التقليدية ونوزّعها.

على هذا الأساس، يمكننا أن نبني استراتيجيات وطنية للتحوّل الطاقوي تنطلق من القاعدة وتحظى بدعم اجتماعي حقيقي، فتقوم بإشراك الجهات الفاعلة المحلّية الأكثر تأثّراً بالاحترار العالمي في عمليات صنع القرار، وهي الجهات المتروكة حاليًا خلف الركب.

إن قمنا بذلك، سوف ننجح في تحويل نظام الطاقة فعليًّا وتحويل ترتيبات صنع القرارات وعلاقات القوّة فيه.

يتمتّع أنشر ما تدفع بمقدرة فريدة على المساهمة في التحوّل العادل لمصفوفة الطاقة وفي التحوّل الديمقراطي والمنصف لنظام الطاقة. وقد بدأ بالاعتراف بذلك في مواقفه إزاء التحوّل الطاقوي، التي تمّ إقرارها في العام 2021.

قد يُنظَر إلى تنوّعه الداخلي، الذي يُعبِّر عن مدى انتشاره العالمي، على أنّه عقبة أمام إنتاج استجابة مترابطة لأزمة المناخ، ولكنّه يشكّل فعليًّا مصدر قوّة له.

في الواقع، يمكننا، من خلال تقييم هذا التنوّع، بناء استجابة عالمية أقوى لأزمة المناخ، استجابة متجذّرة في احتياجات الأكثرية ولا النخبة الضيّقة.

 

كارلوس مونجي، رئيس مجلس إدارة أنشر ما تدفع

كارلوس مونجي هو عالم أنثروبولوجيا من بيرو ومؤرّخ لتاريخ أمريكا اللاتينية، وهو شغوف بقضايا حوكمة الموارد الطبيعية، وتغيّر المناخ، والتحوّلات الطاقوية العادلة، والتحوّل الديمقراطي لأنظمة الطاقة. يشغل كارلوس منصب رئيس مجلس إدارة أنشر ما تدفع (PWYP)، ومستشار خارجي لدى مركز الدراسات الإقليمية الأنديزية – بارتولومي دي لاس كاساس (CBC)، وباحث مشارك لدى مركز دراسات ودعم التنمية (DESCO) في ليما. شغل أدوارًا رئيسية لدى معهد حوكمة الموارد الطبيعية (NRGI) وخدم في مجلس إدارة مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية (EITI) ممثّلًا المجتمع المدني في أمريكا اللاتينية والكاريبي. تعاون كارلوس مع المؤسسات التنموية في البيرو، بما في ذلك مركز الدراسات الإقليمية الأنديزية – بارتولومي دي لاس كاساس ومجموعة اقتراحات المواطنين (GPC)، وتولّى مناصب أكاديمية في مركز الشمال والجنوب في جامعة ميامي والجامعة البابوية الكاثوليكية في البيرو. تشمل مسيرته المهنية أدوارًا متعددة، منها اختصاصي في التنمية الريفية والبيئة لدى مكتب البنك الدولي في البيرو، وكبير المستشارين لدى وكالات حكومية مختلفة في البيرو.

 

Share this content:

Related Resources